فرنسا.. مهاجرون يروون معاناتهم وسط مخاوف من إصلاح قانون الهجرة

بطاقة إقامة خاصة وتشديد الترحيل

فرنسا.. مهاجرون يروون معاناتهم وسط مخاوف من إصلاح قانون الهجرة

يشعر المهاجرون بالقلق من مشروع قانون الهجرة الجديد الذي تتجه الحكومة الفرنسية برئاسة إليزابيث بورن نحو إرسائه، ويعتبرون أنه لا يخدم مصلحتهم للبقاء والعمل على الأراضي الفرنسية، رصدت شهادات بعضهم لنقل مخاوفهم والصعوبات التي يواجهونها لإيجاد عمل وتحقيق أبسط مقومات الحياة.

وأعلن عن هذا القانون، الذي يعتبر أحد أهم مشاريع الفترة الرئاسية الثانية للرئيس إيمانويل ماكرون، وزير العمل الفرنسي أوليفييه دوسوبت في مقابلة مع صحيفة "لوموند" في شهر نوفمبر 2022.

وبدأ النواب في البرلمان الفرنسي بمناقشة المشروع في شهر مارس الحالي، بعد أن صادقت عليه الحكومة في 1 فبراير 2023، وفق وكالة فرانس برس.

وفق أبرز بنوده، يسعى القانون الذي يثير جدلا واسعا بين الأطياف السياسية في البلاد لتسوية أوضاع المقيمين بشكل غير قانوني منذ ثلاث سنوات أو أكثر والعاملين في القطاعات التي تشكو نقصا في اليد العاملة أكثر من خلال إصدار إقامة خاصة لعام واحد للعاملين في المهن المطلوبة في سوق العمل.

كما سيعجل بدراسة ملفات طالبي اللجوء لكنه في الوقت نفسه سيكون وسيلة لتكثيف عمليات ترحيل الأجانب غير الشرعيين.

وصل سفيان (اسم مستعار) شاب تونسي إلى فرنسا منذ نحو ستة أشهر، ورغم أنه حصل في بلاده على تكوين في فنون الطبخ ويحمل رخصة قيادة للعربات الثقيلة، وهما من أبرز المهن المطلوبة في فرنسا، فإن الشاب صاحب الـ31 عاما لم يتمكن من إيجاد عمل لحد الآن.

مثل كثيرين، راهن سفيان، بالغالي من أجل العمل والحصول على حياة أفضل في فرنسا، لكنه وهو على أراضيها اصطدم بواقع صعب يقضي بأن من لا يحمل إقامة لا يستطيع العمل وإن حصل على عمل فهو بدون عقد قانوني، ما يجعله عرضة للاستغلال نظرا لهشاشة وضعيته.

يقول سفيان: "أتيت إلى هنا من أجل البحث عن مستقبل أفضل.. عملت في تونس كسائق لنقل البضائع كما كان عندي محل بيتزا في أحد المدن التونسية، لكن الأفق بدأ يضيق في بلدي، وأصبح حتى التزود بالمواد الأولية للمحل أمرا صعبا، لا نجد حتى الزيت والدقيق".

ويتابع قائلا: "بعت كل ما أملك وركبت البحر" مضيفا فيما لا تزال ملامح الصدمة بادية عليه "القارب الذي ركبته كان يقل 106 أشخاص، كان طوله نحو 7 أمتار، في الطابق السفلي منه مصريون وفي الأعلى تونسيون، انطلق من ليبيا.. دفعت 7،5 ألف دينار تونسي (نحو 2450 دولاراً) راهنت على حياتي وبما أملك من أجل القدوم إلى هنا".

عندما وصل إلى فرنسا اصطدم سفيان بواقع مختلف عما كان يتوقع، يقول إنه خلال الستة أشهر التي قضاها "عشت أشياء قاسية لم أعشها قط" من بينها أنه يقضي ليله في محطة المترو حتى الصباح لأنه لا يملك مسكنا.. ينطلق كل صباح باحثا عن عمل لكن لا أحد يقبل أن يشغله ما دام لا يملك وثائق إقامة. 

يوضح قائلا: "أفتح يوميا موقع آر. آ. تي. بي -هيئة النقل المستقل بباريس- يبحثون دائما عن سائقي حافلات ولا يجدون وأنا عملت كثيرا في هذا القطاع أحمل الرخصة ولدي تجربة، لكني غير مخول للعمل لديهم".

يذهب إلى الأسواق حيث يساعد الباعة في تقشير السمك بأجر زهيد، لا يتجاوز 30 دولارا، مقابل ما لا يقل عن 10 ساعات عمل في اليوم والتي يحاول مشغّله أن يقلصها إلى عشرين عند الدفع.

ويتابع سفيان: "القانون الجديد يشمل الموجودين في فرنسا منذ ثلاث سنوات، ماذا يعني؟ وعن الذين جاؤوا منذ ستة أشهر أو عام، من تونس فقط أتى الآلاف العام الماضي مع تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي هناك.. لم لا يشملني القانون الجديد وأنا قادر على العمل في أكثر المهن المطلوبة وهما النقل والمطاعم".

وأكد سفيان: "أنا متأكد أن كل مهاجر غير شرعي يريد أن يعود إلى وطنه لكنه يخاف من نظرة الناس هناك".

كسر حاجز الخوف

أما سامي (اسم مستعار) 30 عاما الذي تراوده فكرة العودة إلى بلده الأصلي تونس جديا على الدوام، فقال "الحق الوحيد الذي أمتلكه والذي ليس بإمكان أحد أن يأخذه مني في هذا البلد، هو الحق في التنفس، أنا هنا منذ عام 2013، دخلت الأراضي الفرنسية بتأشيرة سياحية وبقيت هنا.. العمل غير مستقر بالمرة.. اشتغلت في البداية بالمطاعم، ثم في أشغال البناء، والطلاء، أضطر لتغيير العمل باستمرار لأن الظروف دائما غير ملائمة ولا تحترم العامل ولا تسمح لك ببناء حياتك، ظروف قائمة دائما على الاستغلال لأنك لا تحمل وثيقة إقامة".

يوضح سامي قائلا: "إذا كنت لا تملك عقد عمل فإن الساعات الإضافية ليست اختيارية، يدفع لك مشغلك وقت ما يريد وما يريد، يشغلك وقت ما يريد ويسمح لك أن ترتاح وقت ما هو يريد.. كل هذا لأنك محتاج للعمل، إن لم يعجبك الأمر، الباب واسع.. إذا طالبت بأبسط حقوقك كأن تتلقى راتبك في وقت محدد كأي كان، حتى تتمكن من ترتيب حياتك وأن تدير راتبك لتدفع إيجار مسكنك أو لتأكل.. تصبح بذلك مصدر إزعاج له.. ساعات عملك غير محدودة لكن راتبك محدود".

والقانون الفرنسي يمنع تشغيل العاملين بدون وثائق إقامة، وهو ما أكده المحامي كيفين مونسيون المختص في قانون العمل في فرنسا. أما في المهن المطلوبة، إذا لم يجد المشغِل سوى عامل بدون إقامة وقتها يمكنه أن يقوم بالإجراءات اللازمة لتوظيفه بطريقة رسمية.

يتابع سامي الحديث عن الصعوبات في مجال العمل: "ليس من السهل الحصول على عقد، لأن من يشغّلك يناسبه أن تعمل لديه بصفة غير رسمية، حتى لا تحظى بحقوقك".

ويروي تجربته القاسية في ذلك قائلا: "وجدت مرة شخصا قبِل أن يشغلني بعقد قانوني، اتفقنا وبدأت في العمل، طلبت منه نسخة من العقد لكنه بدأ في المماطلة، واصلت العمل، وبحكم أني تجاوزت الخمس سنوات على الأراضي الفرنسية، كنت بحاجة لثماني وثائق أجر فقط لتقديم ملفي من أجل الإقامة، عندما انقضت ثمانية أشهر من العمل ذهبت إلى محامٍ لبدء الإجراءات، واكتشفت حينها أن وثيقتين فقط كانتا أصليتين وأن البقية كانت مزورة، كما أنه حرر استقالة باسمي ووقعها بدلا عني لأحرم من أي حقوق أو تتبع".

هذه الظروف القاسية التي يعاني منها المهاجرون دفعت الناشط عماد ظويلع، للتحرك في إطار جمعياتي للمطالبة بحقوق المهاجرين غير الشرعيين، والذي قال: "هذا المكان كان شاهدا على العديد من المطالب الشعبية في فرنسا، العديد من هذه النضالات انتصرت".

وفي هذه الساحة نظم عماد ورفاقه العديد من التحركات الداعية لتسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين فهو رئيس تنسيقية "دروب النصر لتسوية وضعيات المهاجرين" غير الحاصلين على شهادة إقامة.

ويروي عماد "انطلقت تحركاتنا وقت أزمة فيروس كورونا، كما نعرف تغيرت الأوضاع الاجتماعية آنذاك، حيث مست التغيرات العديد من الفئات لا سيما تلك الأكثر هشاشة في المجتمع الفرنسي ألا وهي فئة المهاجرين غير النظاميين، فهؤلاء المهاجرون يعملون بصفة غير رسمية وهم عرضة للاستغلال، آنذاك كان يجب علينا ألا نخرج على مدى أسبوع أو شهر أو حتى أشهر، وجد المهاجرون أنفسهم بدون عمل وبدون ضمانات لحقوقهم".

وتابع: "بدأنا نتلقى مكالمات من عائلات لا تجد حتى الموارد لاقتناء حفاضات الأطفال أو حليبهم.. وباء كوفيد-19 آنذاك زاد الطين بلة، دفعتنا الظروف وقتها للتحرك، كانت عملية تلقائية بدون تنظيم شاركت فيها أنا ورفاق آخرون"، "بدأنا الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لضرورة التحرك والمطالبة بحقوقنا وطالبنا منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية الأخرى بتقديم توصيات لتمديد أو منح الإقامة للمهاجرين".

"وفي 30 مايو 2020 نفذنا أول تحرك ميداني انطلق من ساحة الجمهورية، للمطالبة بحقوق المهاجرين غير الشرعيين من الناحية الإنسانية وكان هذا التحرك بمثابة كسر حاجز الخوف".

ويواصل عماد إلى اليوم تنظيم تجمعات احتجاجية ومظاهرات ومن أبرزها -كما قال- يوم 17 أكتوبر 2020 والتي جمعت وفق قوله نحو 66 ألف مهاجر وولدت بعدها رسميا التنسيقية التي يترأسها.

تخوف من القانون الجديد

أما ياسين (33 عاما) القادم من تونس أيضا فقد بدا واثقا من نفسه، يعمل في قطاع الفنادق منذ نحو ثلاث سنوات، تمكن من تحقيق استقرار نسبي مهنيا، بعد أن لجأ لاستخراج بطاقة هوية إيطالية مزورة حتى يتمكن من العمل، يقول إنه اضطر إلى ذلك بعد رحلة شاقة من العمل وتعرضه للكثير من الاستغلال.

ويلجأ العديد من المهاجرين غير الشرعيين لاستخراج وثائق مزورة كتراخيص إقامة أو بطاقات هوية من دول الاتحاد الأوروبي تسمح لهم بالعمل وتضمن حقوقهم أمام أرباب العمل، وإذا كانت هذه الوثائق بأسمائهم الأصلية فإن ذلك يسمح لهم لاحقا بالحصول على بطاقة إقامة.

فتح ياسين هاتفه ليظهر سجله في تطبيق مصلحة الضرائب "أنا مسجل وهذا اسمي، أدفع ضرائبي باستمرار كأي مواطن فرنسي، منذ عام 2021 وحتى اليوم".

وتابع: "أنا مواطن صالح.. أدفع ضرائبي أقوم بواجبي تجاه الدولة، لا أضر أحدا، مستعد لأن أوقع على ميثاق بألا آخذ من هذا البلد أي مساعدات.. أنا فقط أريد أن أعمل".

ورغم أن مشروع القانون الجديد يبشر بتسوية وضعية أمثال ياسين فإنه متوجس منه حيث يقول: "لا أدري إن انكشف أمري بأني زورت وثائق الهوية ماذا سيحل بي إن رُفض ملفي؟" ويواصل ياسين قائلا: "بطاقة الإقامة التي يريد القانون الجديد إقرارها هي لعام واحد فقط، ماذا لو لم يعد العمل بالفنادق بعد عام من المهن المطلوبة في سوق الشغل؟ ماذا سيحل بي؟".

ومن أبرز المهن المطلوبة التي يشملها تصريح الإقامة الجديد الذي تسعى الحكومة لإرسائه، خدمات المطاعم والفنادق، والنقل، والمهن المنزلية كحضانة الأطفال أو رعاية المسنين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية